فالنسيا- بين أمجاد الماضي وصراع البقاء.. قصة سقوط الخفافيش

بين التألق والانحدار، يتأرجح مصير نادي فالنسيا، حيث تلعب الإدارة دورًا محوريًا في تحديد المسار، لتفصل بين تحقيق الأحلام ومعايشة الكوابيس. قرارات بسيطة، ولكنها مصيرية، تقود إما إلى اعتلاء منصات التتويج أو الهروب من شبح الهبوط المؤلم.
فالنسيا، النادي الذي سطع نجمه في سماء كرة القدم الأوروبية، نقش اسمه بأحرف من ذهب بين عمالقة القارة، سرعان ما وجد نفسه في خضم سلسلة من القرارات الارتجالية، والتخبط الإداري، والتخلي عن قيمه الأصيلة وطموحاته المشروعة. فبين أمجاد مطلع الألفية وصراعه المرير لتفادي الهبوط في السنوات الأخيرة، تتجلى قصة فالنسيا كمثال صارخ على كيف يمكن لإدارة واعية أن تحدث تغييرًا جذريًا، فإما أن ترتقي بالنادي إلى القمة أو تدفعه نحو براثن المجهول.
في هذا التقرير، نسلط الضوء على التحول المأساوي لقلعة الميستايا، من مسرح للأفراح والانتصارات إلى ساحة للنزاعات الداخلية، وكيف ساهمت السياسات الإدارية الخاطئة في رسم تفاصيل رحلة الانحدار المروعة.
فترة ذهبية لا تُنسى بدأت عام 1999 واستمرت حتى 2004
مع بداية موسم 1999، شرع فالنسيا في ترسيخ مكانته كقوة تنافس أعتى الأندية، أمثال برشلونة وريال مدريد، على الصعيدين المحلي والقاري. أظهر الفريق قدرات هائلة، بفضل القيادة الرشيدة لـ بيدرو كورتيس، الذي وضع الأسس لفريق قاري متميز، وقاد "الخفافيش" نحو المسار الصحيح.
تحت قيادة بيدرو كورتيس، في الفترة من 1997 إلى 2001، بلغ فالنسيا نهائي دوري أبطال أوروبا مرتين، لكنه لم يتمكن من حصد اللقب في ذلك الوقت، واكتفى بمركز الوصافة. ومع ذلك، كانت هذه البداية نقطة انطلاق مميزة في طريق "الخفافيش" نحو العالمية والسعي وراء الألقاب. كان النهائي الأول في تاريخ فالنسيا بدوري الأبطال ضد ريال مدريد، سيد البطولة القارية عام 2000، وتلقى فالنسيا هزيمة قاسية بثلاثة أهداف نظيفة أمام الجيل الذهبي للميرينجي.
وفي العام التالي، واجهوا بايرن ميونخ في نهائي دوري أبطال أوروبا على ملعب سان سيرو، وانتهت المباراة في وقتها الأصلي والإضافي بالتعادل، ليحقق بايرن ميونخ الانتصار بضربات الترجيح.
مع نهاية عام 2001 وحتى 2004، تولى خاومي أورتيس رئاسة النادي، واستمر في تحقيق النجاحات للفريق. كان الأمر اللافت هو تعيين رافائيل بينيتيز مديرًا فنيًا للفريق، حيث تمكن من بناء جيل ذهبي لـ "الخفافيش" وحقق معه لقب الدوري الإسباني في مناسبتين وكأس الاتحاد الأوروبي (الدوري الأوروبي حاليًا) مرة واحدة.
فترة بيتر ليم (جماهير فالنسيا تعيش أسوأ كوابيسها)
في بداية عام 2014، بدأت حقبة جديدة في تاريخ فالنسيا بعدما استحوذ السنغافوري بيتر ليم على رئاسة النادي. انطلقت البداية بوعود براقة للجماهير، لكن الواقع سرعان ما كشف عن مرارة قاسية للجميع.
شهدت الفترة توقفًا للإنفاق الرياضي وتدخلاً سافرًا في عمل المدرب الفني، دون أي خبرة تذكر. كل هذه العوامل تنبئ بفشل ذريع للمشروع، لأنها تؤدي إلى تضارب كبير في الآراء وتجريد المدرب من صلاحياته أمام لاعبيه.
اتسم التخطيط الرياضي بالضعف الشديد، والتخلص من العناصر البارزة والمهمة في الفريق، وعلى رأسهم داني باريخو وفيران توريس مع كوكلين وغيرهم من النجوم الذين كانوا يمثلون إضافة قوية للفريق، دون تعويضهم بعناصر مماثلة في المستوى.
غاب الاستقرار عن الإدارة الفنية للفريق، حيث قامت إدارة فالنسيا بتغيير أكثر من 15 مدربًا في غضون 10 سنوات فقط، وهو رقم فلكي يحرم الفريق من أي فرصة للاستقرار، ويجعله يمر بتقلبات فنية عنيفة.
تعتبر مشاكل فالنسيا والكوابيس التي تعيشها الجماهير حاليًا، وعلى رأسها شبح الهبوط، بمثابة تراكمات متتالية لأحداث المواسم السابقة، لكن نتائجها الكارثية تظهر في الفترة الحالية على الفريق وجماهيره.
يكمن الجزء الأكبر من مشاكل فالنسيا في الجانب المالي، حيث بدأ مشروع "نو ميستايا" في الانهيار عام 2009، وهو مشروع بناء ملعب جديد، بسبب نقص الأموال اللازمة لاستكماله. هذا الأمر أجبر الإدارة على بيع عدد من نجوم الفريق لتوفير السيولة المالية واستكمال المشروع.
وقد علق بيتر ليم على الأزمة المالية قائلاً: "القرارات التي اتخذناها كانت تهدف إلى ضمان الاستدامة المالية للنادي، لكنني أعترف بأننا واجهنا تحديات كبيرة في تحقيق التوازن بين الجانب المالي والرياضي".
أصبح المشروع غير قادر على جذب نجوم الفرق الأخرى، وهو ما ورط الفريق في مأزق كبير، وتجلى ذلك في افتقار فالنسيا للنجوم القادرين على جذب الأندية للحصول على الأموال وحل مشاكل الفريق.
في موسم 2024-2025، دخل فالنسيا مرحلة الخطر الحقيقي، واقترب من الهبوط، وعاشت الجماهير أوقاتًا عصيبة مليئة بالكوابيس، وكانت الدموع رفيقة محبي الفريق في كل مباراة. لكن نتائج فالنسيا استقرت في النصف الثاني من جدول الترتيب، وإقالة المدرب روبن باراخا وتعيين كارلوس كوربران كانت نقطة تحول، حيث أعاد الانضباط الدفاعي للفريق واستخرج أفضل ما لدى اللاعبين، في وقت كانت الجماهير قد فقدت الثقة تمامًا.
عبرت جماهير فالنسيا عن حزنها العميق قائلة: "نشاهد كيف يتحول فخر المدينة إلى فريق يعاني من الانهيار، أين هي الإدارة التي وعدتنا بالمجد؟ بيتر ليم يدمر النادي، النفوس متعبة والجماهير تتألم".
الصفقات الذكية في فترة الانتقالات الشتوية، مثل ضم المهاجم عمر صادق، أضفت بعدًا هجوميًا ساعد الفريق على تحقيق انتصارات حاسمة ضد منافسين مباشرين، مثل ليجانيس وبلد الوليد. لم تكن تلك الانتصارات مجرد ثلاث نقاط، بل كانت بمثابة طوق نجاة لفريق يتأرجح بين البقاء والانهيار. لكن الانتصار الذي أكد بقاء "الخفافيش" في الدوري كان مفاجئًا أمام ريال مدريد في البيرنابيو، وهي المباراة التي أنهت حلم الميرينجي في تحقيق لقب الدوري ومنحت قبلة الحياة لفالنسيا للاستمرار في الدوري الإسباني.
بدأ موسم جديد في الدوري الإسباني، وافتتح فالنسيا مشواره بتعادل ثمين مع ريال سوسيداد في مواجهة لم تكن سهلة على الإطلاق، لكن الخروج بنقطة في بداية الموسم أفضل من الخسارة، على أمل أن نشاهد "خفافيش الميستايا" يعودون من جديد لترهيب الخصوم وإظهار قدراتهم الهائلة في الدوري والعودة إلى المراكز الأوروبية المرموقة.
فهل نشهد فالنسيا يقدم موسمًا جيدًا في الدوري الإسباني، أم يستمر الفريق في نزيف أحزان جماهيره العاشقة ويصارع الهبوط أو يتعرض له بالفعل؟